رام الله - دنيا الوطن
تحتفي مصر بالذكرى السنوية للمولد النبوي بمجموعة من المظاهر الاحتفالية التي تمزج بين الروحانية والمتعة الشعبية، لتصبح مناسبة يتوارثها المصريون جيلاً بعد جيل. وتتجلى هذه الاحتفالات في المواكب الصوفية، جلسات الذكر والمدح، إقامة الموائد، وقراءة القرآن الكريم، إلى جانب الولائم الشعبية والحلوى التقليدية.

ووفقاً لما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" عن الدكتورة حنان سمير، أستاذة بأكاديمية الفنون، فإن الاحتفال بالمولد النبوي جزء أصيل من الشخصية المصرية، حيث تحافظ الأجيال على هذه الممارسات، رغم تراجعها في الأحياء الحديثة بالقاهرة، لكنها ما زالت متجذرة في أحياء تاريخية مثل السيدة زينب والحسين.

الفنان التشكيلي إبراهيم البريدي، الذي وثق الاحتفالات بلوحاته، أشار إلى أن المواكب الشعبية وزفة الرايات تجوب المدن والمحافظات بشكل يعكس اختلاف كل منطقة في الاحتفال، ويجمع بين سكان شمال وجنوب مصر في مشهد شعبي موحد، غالباً ما يشارك فيه البسطاء الباحثون عن الترويح عن أنفسهم والهروب من أعباء الحياة اليومية.

وأضاف البريدي: "مصر البلد الوحيد الذي تنتشر فيه هذه الاحتفالات على نطاق واسع، لكل مدينة وأسرة أسلوبها الخاص، وحتى القرى تنتظر ليلة المولد للاحتفال، ويحضره الجميع بغض النظر عن المكانة الاجتماعية، فتتوحد الطبقات في روحانيته وفرحه".

كما أشار البريدي إلى الساحات والسرادقات الضخمة التي تحتضن الاحتفالات، حيث تتنوع طرق استقبال المولد بين الإنشاد الديني، جلسات الذكر والمدح، وتوزيع الطعام والولائم التي تجمع بين الفقير والغني على حد سواء، لتعكس روحانية المناسبة ومحبة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم).

ويرى الباحث في التراث الشعبي مسعود شومان أن المصريين يمتلكون ما يمكن تسميته بـ"الراقات الثقافية"، وهي موروث غني يعكس شخصية المصريين الاحتفالية، الذين يربطون المظاهر الروحية بالمتعة الاجتماعية والاقتصادية، من خلال عرض الحلوى والحرف اليدوية، فضلاً عن الطقوس الرمزية مثل زفة الحرفيين على العربات، التي تمثل نوعاً من التبرك بالمناسبة لجلب الرزق.

ويضيف شومان: "احتفالات المولد النبوي تُذكّر المصريين بتاريخهم، فهي مناسبة لتعميم الفرح في الشوارع والميادين العامة، وتعكس روح التسامح والبهجة، خصوصاً بين الفقراء، الذين يجدون في ذكرى النبي نوعاً من الغنى الروحي والقوة في مواجهة صعوبات الحياة".

وتظل هذه الاحتفالات في مصر نموذجاً فريداً يجمع بين الروحانية والفلكلور والتراث الشعبي، ويؤكد قدرة المصريين على الحفاظ على تقاليدهم رغم مرور الزمن والتحولات الاجتماعية.