نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعد مأساة المنوفية: الذكاء الاصطناعي هو الحل في مواجهة سائقي "الكيف" - كورة نيوز, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 07:35 مساءً
لم يكن صباح الجمعة، السابع والعشرين من يونيو 2025، سوى بداية يوم عمل بسيط لتسع عشرة فتاة من قرية صغيرة في محافظة المنوفية. صعدن إلى "ميكروباص" يحمل حلمهن اليومي في الرزق، غير مدركات أنهن على موعد مع شاحنة يقودها سائق تحوّل في لحظة إلى أداة موت، حصدت أرواحهن وخلّفت وجعًا لا يُحتمل في قلوب الأمهات والآباء.
في مثل هذه الحوادث، لا تكون السرعة وحدها أو رعونة القيادة هي القاتل، بل المخدر الذي يتسلل إلى أعصاب السائق، ويخدّر ضميره قبل أن يعطل قدرته على التقدير واتخاذ القرار.
في مواجهة هذا الخطر الخفي، نحن بحاجة إلى عيون لا تنام، تراقب وتكشف لحظات الغفلة والاضطراب قبل أن تتحول إلى كارثة. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، كدرع رقمي لحماية الأبرياء على الطرقات.
الحديث في سطور البحث عن حلول جذرية لا يدور عن تحليل البول أو الدم أو اللعاب، بل عن خوارزميات ترصد الارتباك المجهري في حدقة العين، أو ذلك "اللا انتباه" الذي يدوم 300 ميلي ثانية فقط، لكنه قد يكون الدليل القاطع على تعاطي مواد مخدرة.
فكيف يعمل هذا النظام؟ ما التجارب الدولية التي نجحت في تطبيقه؟ وما البنية التقنية المطلوبة لتفعيله؟ الأهم: كيف يتحول إلى نظام ردع شامل يضع نهاية للتعاطي خلف عجلة القيادة؟
نبدأ من الأساس العلمي. الذكاء الاصطناعي لا يكتشف المادة المخدرة كيميائيًا، بل يتتبع التأثيرات العصبية والسلوكية الناتجة عنها، عبر تغيرات بصرية دقيقة مثل اتساع غير مبرر في حدقة العين أو رَمش متكرر، وسلوكيات نمطية عبارة عن حركات لا إرادية متكررة، وتأخر زمني بسيط في الاستجابة لمحفز بصري يظهر من انحراف في الانتباه، أو خلل في استقرار الرأس أو اتجاه النظر أثناء القيادة. ويمكن رصد إشارات كافية للاشتباه بداية من 30 ثانية إلى دقيقتين.
يتم تدريب أنظمة التعلم العميق على ساعات من فيديوهات لسائقين طبيعيين وآخرين تحت تأثير مواد مختلفة. بعدها، يتمكن النموذج من اكتشاف التعاطي من خلال مجرد "رصد السلوك".
ما يُحدث الفرق في تطبيق التجربة ليس النظام نفسه، بل نقاط تفعيله. ففي النموذج المستقبلي المتكامل، يتم تضمين الذكاء الاصطناعي في عدة مواقع، والتركيز على سائقي شاحنات النقل الثقيل:
- أكمنة الطرق السريعة: تُزرع كاميرات مزودة بخوارزميات ذكاء بصري قادرة على تحليل نظرات السائق أثناء توقفه.
- محطات الوزن والصيانة: يُراقب السائق تلقائيًا وهو يسلّم أوراق الشاحنة، دون علمه أنه يخضع لاختبار.
- مقار استخراج المستندات الرسمية (رخص القيادة، بطاقات التشغيل): يُطلب من السائق التفاعل مع شاشة ذكية أثناء ملء البيانات، وفي الخلفية تُحلل الخوارزمية استجاباته وسلوكه الدقيق. - سيارات تفتيش متنقلة (Mobile AI Labs): تنفذ حملات مفاجئة بمناطق متفرقة، وتُجري فحصًا سريعًا مدعومًا بتحليل بصري وسلوكي.
بُنية تحتية لا بد من توافرها:
1 - كاميرات تتبع العين Eye-Tracking Cameras)).
2 - خوارزميات رؤية حاسوبية مثبتة على أجهزة ميدانية أو مدمجة في بوابات الطرق السريعة.
3 - شاشات ذكية للتفاعل النفسي- السلوكي في المقار الرسمية.
4 - أنظمة تنبيه فوري مرتبطة بالمراكز الأمنية.
ما يميز تقنيات الذكاء الاصطناعي أنها لا تعتمد على مفاجأة السائق، بل على سلوك المخ الذي لا يمكن أن يُزيَّف. فمهما حاول السائق التظاهر باليقظة، فإن اتساع حدقته، رَمش عينه، تأرجح رأسه، وميله اللاواعي إلى الارتباك.. .كلها إشارات لا يدركها. وهذا ما يجعل الذكاء الاصطناعي أداة ردع نفسي دائم، وليست أداة عقاب أو قمع. فبمجرد علم السائق أن منظومة تراقب تصرفاته على مدار اللحظة، دون إذن أو إنذار، تنشأ حالة ردع قسرية تؤدي إلى "الامتناع التلقائي".
لا يمكن النظر إلى هذه المنظومة باعتبارها خيالًا تقنيًا، بل هي واقع ميداني في دول متقدمة:
في أستراليا: طبّقت شركة Seeing Machines تقنية Guardian على آلاف الشاحنات، بربط كاميرا تحليل نظرة العين بحاسوب يُنذر في حال الاشتباه. وكانت النتيجة: انخفاض بنسبة 97% في الحوادث المرتبطة بالإرهاق والتأثيرات النفسية خلال عام واحد فقط.
وفي السويد: اعتمدت شركة Smart Eye على خوارزميات تتبع العين داخل سيارات النقل والحافلات، وتُصدر تنبيهًا عند تغيّر حركة النظر أو السلوك. والنتيجة: رفع فعالية الفحص الفوري في الطرق بنسبة تجاوزت 88% خلال أول 6 أشهر.
أما في كوريا الجنوبية، فقد أدخلت وزارة النقل نظام تحليل السلوك داخل محطات الوزن الإلزامي. وعند ظهور مؤشرات اضطراب سلوكي، يُحوَّل السائق لتحليل لعاب ميداني. وكانت النتيجة: انخفضت حالات التعاطي بين سائقي النقل العام بنسبة 53% خلال 18 شهرًا.
تقنيات الذكاء الصناعي لا تُثبت تعاطي المخدرات قانونيًا، لكنها مستشار رقمي ذكي يمنح القدرة غير مسبوقة على رصد مؤشرات الخطر في الوقت الحقيقي، ويرفع مؤشر الخطر لمستوى يستدعي اختبارًا كيميائيًا لاحقًا، مثل التحليل الأولي للعاب، أو التحليل التأكيدي بالبول أو الدم، أو تحليل الشعر، وهو الصندوق الأسود لكل مدمن.
لذلك يجب دمج تحليل اللعاب وتحليل الشعر ضمن نظام الكشف المتكامل عن تعاطي المخدرات:
تحليل اللعاب: سهل، فوري، ومناسب لميدان الطرق. يُظهر وجود مواد مثل الأفيون، الكوكايين، والحشيش، بدقة تتجاوز 95% خلال أول يومين من التعاطي، ويحتاج إلى أجهزة Oratect، Drug Wipe، So Toxa. وهي أجهزة فحص سريع تعطي نتائج خلال أقل من 8 دقائق، وتكشف معظم المخدرات الشائعة، ولا تتطلب مختبرًا متقدمًا.
تحليل الشعر: وهو أداة لا تكذب. يُحلل المخدرات المترسبة في الشعرة، ويُكشف الاستخدام المزمن لمدة 90 يومًا فأكثر، ويصلح للحسم في حالة الإنكار. وهذا النوع يحتاج إلى أجهزة كروماتوغرافيا - كتلة (GC-MS) متخصصة بتحليل عينات الشعر، تتطلب تدريب فنيين وخبراء في سموم الأعصاب، وتُستخدم في تأكيد التعاطي المزمن ضمن تحقيقات رسمية أو إعادة التأهيل.
ليس الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي مجرد تركيب كاميرات أو أجهزة تحليل سريعة، بل بناء منظومة ذكية تستبق الخطر، وتقرأ سلوك السائق قبل أن يتحوّل إلى تهديد متنقل.
ويتحقق ذلك عبر تكامل ثلاثة عناصر أساسية: إصدار تشريعات تعترف بنتائج الذكاء الاصطناعي كمؤشرات قانونية للاشتباه، تدريب رجال المرور على قراءة البيانات الحية التي توفرها الخوارزميات، وإنشاء سجل مركزي يربط بين المخالفات المؤكدة والجهات المرورية والجنائية.
وبهذا ننتقل من نموذج "الفحص بعد وقوع الخطأ" إلى نموذج "الرؤية الاستباقية"، حيث يصبح الطريق نفسه عينًا يقظة، والذكاء الاصطناعي شريكًا حقيقيًا في إنقاذ الأرواح.
0 تعليق