نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ثورة 30 يونيو.. 12 عامًا على الانطــلاق «مواجهـة مع مرسي» - كورة نيوز, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 11:40 مساءً
ثورة 30 من يونيو.. الطريق إلى استعادة الدولة، كتاب جديد للزميل مصطفى بكري، رئيس التحرير، صدر منذ فترة قريبة عن دار سما للنشر والتوزيع، الكتاب يتناول أسرار ثورة 30 من يونيو وانحياز الجيش لها في الثالث من يوليو.
ويحوي الكتاب وقائع الأحداث الخطيرة التي شهدتها البلاد خلال هذه الفترة، وكيف استطاع الجيش المصري إحباط العديد من مخططات الجماعة التي استهدفت الدولة ومؤسساتها.
وتنشر «الأسبوع» على مدار حلقات العديد من الأسرار المهمة التي تضمنها الكتاب، ويرصد الزميل بكري الصعوبات والأزمات التي واجهت الجيش والشرطة وأحداث العنف التي شهدتها البلاد وراح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين، بالإضافة إلى حرق العديد من المؤسسات العامة والخاصة ودور العبادة الإسلامية والمسيحية على السواء، خاصة أن الكاتب كان قريبًا من الأحداث ومتابعًا لها.
وفي الذكرى الثانية عشرة لانطلاقة الثورة أعدت «الأسبوع» هذا الملف الخاص الذي يتضمن الكثير من الحقائق والأسرار في مواجهة الزيف والأكاذيب، ويرصد أيضًا كيف استطاعت الثورة تحقيق العديد من أهدافها التي أعلنها القائد العام في الثالث من يوليو، ثم في أعقاب انتخابه وتولي مهام الرئاسة الأولى في الثامن من يونيو 2014.

مواجهـة مع مرسي
تفاصيل وأسرار اللقاء الهام بيني وبين وزير الداخلية محمد إبراهيم قبيل الثورة بأيام قليلة
في منتصف يونيو 2013، حدثني العميد علاء محمود من مكتب وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وقال لي: «إن الوزير يطلب مقابلتك»، سألته عن السبب، فقال لي: «إنه يريد أن يوضح لك بعض الأمور الخاصة بموقفه».
كنت قد انتقدت مواقف الوزير عدة مرات في وسائل الإعلام، وقلت إن هناك علامات استفهام حول موقفه، خصوصًا أن الإخوان جاءوا به بعد أن قاموا بعزل اللواء أحمد جمال الدين بسبب موقفه من أحداث الاتحادية ورفضه استخدام العنف ضد المتظاهرين، وكذلك علاقته الوثيقة مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام ووزير الدفاع والإنتاج الحربى في هذا الوقت.
قلت يومها للعميد علاء محمود، إن ورائي ارتباطات مسبقة وأرجو تحديد موعد آخر، اتفقنا على أن يكون موعدي مع وزير الداخلية هو يوم الخميس 20 يونيو 2013.
ذهبت إلى الوزير في حوالى الحادية عشرة صباحًا، وجلست معه لأكثر من ساعتين تقريبًا.
في البداية حكى لي الوزير، كيف تم اختياره وزيرًا للداخلية دون أن يعلم بذلك، وأنه تم اصطحابه سرًا من أمام مصلحة السجون التي كان يتولى منصب المسئول الأول عنها في هذا الوقت إلى القصر الرئاسي، حيث قابل محمد مرسي الذي فاتحه في الأمر، وأكد له أنه اختاره لمنصب وزير الداخلية.
وحكى لي الوزير كيف طلبت منه زوجته رفض هذا المنصب والاعتذار عنه، إلا أنه وجد نفسه مرغمًا على القبول في هذا الوقت.
وقال محمد إبراهيم: «لقد سعيت طيلة الفترة الماضية إلى حماية جهاز الشرطة من محاولات التدخل وإعادة الهيكلة وعزل الكثير من القيادات التي كانت مستهدفة من جماعة الإخوان».
وحكى لي وزير الداخلية بعضًا من وقائع ما يجري داخل مجلس الوزراء على يد جماعة الإخوان وعناصرها داخل المجلس، وقال: عندما واجهني البعض منهم في اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في منتصف يونيو بضرورة حماية مقرات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة ومواجهة المتظاهرين في 30 يونيو، قلت لهم: «لن نتورط ولن نعيد إنتاج سيناريو 28 يناير 2011، ولن نحمي مقرات الإخوان أو أي حزب من الأحزاب، كما أننا سنحافظ على سلامة المتظاهرين وسلمية مظاهراتهم وسنحمي المنشآت من أي اعتداءات.
وحكى لي اللواء محمد إبراهيم، كيف تصاعدت المواجهة بينه وبين «يحيى حامد» وزير الاستثمار الإخواني، بعد أن اتهمه يحيى حامد بالتقصير والتردد وعدم الحسم في مواجهة من أسماهم بالمخربين.
وقال الوزير: «لقد رفضت هذه الاتهامات وحملتهم المسئولية فيما يمكن أن يحدث، كما حذرت من حركة المحافظين والأسماء الإخوانية التي رشحت لهذه المواقع وقلت إنها ستزيد النار اشتعالًا، وهذا هو ما حدث بالفعل».
وكنت قبلها قد انفردت بنشر أسماء المرشحين كاملة، وقلت إنها ستقلب الأوضاع رأسًا على عقب، وعندما أدى المحافظون الجدد اليمين الدستورية أمام محمد مرسي، فقد كانت هي ذات الأسماء التي انفردت بنشرها من خلال المعلومات التي حصلت عليها من نفس المصدر الذى أمدني بخطة إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
وعندما سألت الوزير في هذا الوقت، عما إذا كانت الشرطة ستحمي المتظاهرين بالفعل، قال لي: نعم، وقد اتفقت أنا والقائد العام الفريق أول عبد الفتاح السيسي على ذلك، سنحمي المتظاهرين ونؤمن سلامتهم، لأننا نعرف أن مليشيات الإخوان تريد التصدي لهم، وساعتها ستنقلب الأوضاع رأسًا على عقب، وتبدأ الحرب الأهلية في البلاد.
وحكى لي وزير الداخلية أن السيدة حرمه أبلغته أنها ستنزل وتشارك في مظاهرات الثلاثين من يونيو ضد الإخوان مهما كان الثمن في المقابل.
وبعد أن انتهى لقائي مع اللواء محمد إبراهيم، أصبحت على يقين أن الجيش والشرطة لن يصطدموا بالجماهير حال خروجها للتظاهرات في الثلاثين من يونيو كما هو معلن.
أدركت السفارات الأجنبية في القاهرة وتحديدًا الغربية منها، أن البلاد مقبلة على أزمة خطيرة، ولذلك نصحت رعاياها بعدم السفر إلى مصر.
أما السفيرة الأمريكية «آن باترسون» صاحبة الدور الاستخباري المعروف، فقد كانت على ثقة قوية بجماعة الإخوان، تدعم وجودها، وترفض أية محاولة للمساس بمحمد مرسي)رئيس الجمهورية «في هذا الوقت».
لقد كانت المعلومات التي لدى باترسون، تقول بأن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي حال مطالبة الشعب له بالتدخل، ولذلك راحت تحذر مبكرًا من خطورة ذلك.
وخلال ندوة لها في مركز ابن خلدون، قالت «آن باترسون»: «إن أمريكا لا ترحب بعودة الجيش مرة أخرى للحكم في مصر، وتحذر من الانقلاب على الرئيس المنتخب الذى جاء بالصندوق».
وقد أثار هذا التصريح استياءً واسعًا في كافة الأوساط لأنه يمثل تدخلًا سافرًا في الشئون المصرية وهو ما استدعى أن يصرح مصدر عسكري كبير لقناة العربية في 20 يونيو 2013 بالقول: «إن القوات المسلحة لا تقبل الضغوط أو التدخل في شئونها الداخلية من أي أطراف خارجية بذريعة الديمقراطية».
وقال المصدر: «إ قرار القوات المسلحة بالدفاع عن مقدرات الوطن وتطلعات الشعب المصري نابع من مبادئ عملها الوطني، وأنها تلتزم في ذلك بمعايير الشرعية إلا في تعارضها مع إرادة الشعب ورؤيته نحو التغيير والإصلاح».
وفى الحادية عشرة من صباح ذات اليوم، الخميس 20 يونيو، كانت «آن باترسون» تتجه إلى مكتب خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان في 3ش مكرم عبيد بمدينة نصر.
وقد استعرضت «باترسون» مع الشاطر السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة التي تسبق 30 يونيو وما بعدها ويومها، قالت باترسون للشاطر، إنها قلقة من الموقف الشعبي، وموقف الجيش، وقالت إذا خرج الشعب، فلن يستطيع الجيش أن يبقى في ثكناته، بل سيخرج ويعزل مرسى استجابة للمطالب الشعبية، لذلك فهي تنصح بضرورة تقديم تنازلات سياسية للمعارضة حتى يمكن إنهاء الأزمة سريعًا، وقطع الطريق أمام خروج المتظاهرين في 30 يونيو.
ويومها تحدث خيرت الشاطر رافضًا مقترحات آن باترسون، وقال لها إن جماعة الإخوان أقوى من أن تهزم، وأن مرسي هو الرئيس الشرعي، وأنه لن يستجيب للابتزاز من المغرضين والمحرضين.
وبعد لقائها بخيرت الشاطر التقت السفيرة باللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية اللذان رفضا التدخل في الشئون الداخلية لمصر بأي شكل وبأي صورة، وأبلغ اللواء العصار السفيرة الأمريكية بالتوقف عن الإساءة للجيش المصري، خاصة أن الجميع يعرف علاقتها ببعض التيارات المناوئة للاستقرار في البلاد.
ولم تستطع السفيرة الأمريكية الدفاع عن نفسها إلا بقولها إن واشنطن لا تتدخل في شئون الدول الأخرى، وإنما هي معنية بالتطورات الحادثة في مصر، وتسعى إلى ضمان الاستقرار وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء على الساحة المصرية.
قبل هذه اللقاءات بعدة أيام كناقد التقينا أنا وعادل حمودة وتوفيق عكاشة واللواء أحمد رجائى فى منزل د.عبد الرحيم على وبحضوره مساء الأربعاء 19 يونيو، لبحث التحركات التي ستجرى استعدادًا ليوم 30 يونيو، وقد ناقشنا خلال هذا اللقاء الذى امتد لساعات الموقف الأمريكي من التظاهرات المتوقعة، خاصة في ضوء العلاقة الوثيقة التي تربط واشنطن وجماعة الإخوان، وقد كان من رأى الحاضرين أن السفيرة الأمريكية «آن باترسون» تسعى إلى تشويه الموقف الشعبي المصري وأيضًا تقدم معلومات مغلوطة عن موقف الجيش وتزعم مساندته وتحريضه على هذه التظاهرات.
وفى هذا الوقت دعاني النائب السابق يوسف عبد الفتاح البدري إلى مؤتمر جماهيري حاشد في مدينة فوه بمحافظة كفر الشيخ، يحمل عنوان: «ضد الإخوان» وذلك يوم الجمعة 21 يونيو 2013، وقد ذهبت وكان معي عدد من الزملاء والشخصيات السياسية، وقد بدأ المؤتمر الحاشد الذي ضم أكثر من سبعة آلاف شخص بعد صلاة المغرب، وكان خطابنا قويًا، ويطالب بالثورة على جماعة الإخوان وإسقاطهم في 30 يونيو.
وقبيل انتهاء المؤتمر كان الحشد قد وصل إلى نحو عشرة آلاف مواطن، حملوني على الأكتاف، ومضينا في شوارع فوه نهتف بسقوط الإخوان، وما أن انتهت المظاهرة الحاشدة وخرجنا من المدينة، حتى أبلغني يوسف البدري أن عناصر الإخوان في المدينة خرجوا من جحورهم وراحوا يتظاهرون ويهتفون ضدي وقاموا بحرق العديد من المحلات التجارية والأماكن المهمة في المدينة.
وفى هذا اليوم، كانت جماعة الإخوان قد قامت بتنظيم مظاهرات حاشدة في العديد من المدن، ووقف طارق الزمر أحد قادة الجماعة الإسلامية ليهدد علانية بسحق كل المتظاهرين الذين سيخرجون في 30 يونيو، وقام المتظاهرين برفع صور عدد من الإعلاميين وكنت من بينهم وتوعدونا بالقتل والموت إن لم نتوقف عن الحملات المعادية لحكم مرسى وجماعته والتحريض على الحشد في 30 يونيو.
وفى هذا الوقت صدرت تعليمات رئاسية للوزراء والمحافظين المعنيين برصد الأسماء الرباعية والرقم القومي للموظفين المنضمين إلى حملة «تمرد» وتحذيرهم والتهديد بفصلهم من أعمالهم إن لم يتوقفوا عن هذه الأفعال.
لقد ذكرني هذا الأمر بوقائع ما حدث في 23 أغسطس 2012 أي بعد وصول مرسى للحكم بنحو شهرين، لقد قدم مرشد الإخوان محمد بديع عدة بلاغات ضدي وضد الزميل محمد أبو حامد، اتهمنا فيها بالتحريض على حرق مقرات الإخوان والدعوة إلى مظاهرات 24 أغسطس 2012 ضد الإخوان.
وفى يوم الجمعة 23 أغسطس استدعى السفير محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، في هذا الوقت كل من: المستشار عادل السعيد النائب العام المساعد، والمستشار عدنان الفنجري النائب العام المساعد، والمستشار تامر الفرجاني المحامي العام لنيابة أمن الدولة، حيث كان المحامي العام الأول المستشار هشام بدوي مسافرًا إلى الخارج، وجرى استدعاء رؤساء الأجهزة الأمنية المختلفة، والذين التقى بهم محمد مرسى بعد صلاة الجمعة مساء ذات اليوم، وقد طلب منهم سرعة إعداد مذكرة تحريات للقبض في ذات اليوم على كل من: مصطفى بكرى ومحمد أبو حامد وتوفيق عكاشة وإسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور، وتفتيش منازلهم، وعرضهم على النيابة العامة مساء ذات اليوم.
كان المستشار عبد المجيد محمود النائب العام موجود في ألمانيا في هذا الوقت لإجراء عملية جراحية في ظهره، وكان يرافقه المستشار هشام بدوي، وعندما أبلغه المستشار عادل السعيد بمطلب محمد مرسي، رد عليه المستشار عبد المجيد محمود بالقول: «ده راجل مجنون، هو فاكر النيابة العامة لعبة في إيده، لا تردوا عليه ولا تعبروه».
لقد ظل المستشار محمد فؤاد جاد الله المستشار القانوني لمرسى يمارس ضغوطه على النيابة العامة، إلا أن الرد الواضح كان هو الرفض مهما كان الثمن، وهو أمر أثار غضب محمد مرسى وجماعته، وكان من أحد الأسباب التي دعته إلى محاولة إبعاد المستشار عبد المجيد محمود عن موقعه في العاشر من أكتوبر وتعيينه سفيرًا لدى الفاتيكان، ثم عزله في 22 نوفمبر من ذات العام، وهو ما أكده المستشار عبد المجيد محمود في حوارات تليفزيونية في وقت لاحق.
لم تتوقف الإجراءات الاحترازية التي سعى الإخوان من خلالها إلى إجهاض تظاهرات الثلاثين من يونيو عند حد التهديد بالفصل من الوظيفة أو الاعتقال لكل الناشطين، وإنما امتد الأمر إلى محاولة «جر شكل» مع المؤسسة العسكرية بقصد اتهامها والإساءة لموقفها بأنها المحرض الأساسي على الثورة ضد ما كانوا يسمونه بـ«الشرعية والرئيس المنتخب».
وفى يوم الجمعة 21 يونيو 2013، هاجم دكتور محمد البلتاجي أحد قادة جماعة الإخوان وعضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية للجماعة- المؤسسة العسكرية رافضًا عودتها للحكم مرة أخرى لتولى شئون الحكم في البلاد، ومحملًا إياها مسئولية خراب الدولة خلال الستين عامًا الماضية على حد وصفه.
وقال البلتاجي في كلمته خلال مشاركته في المليونية التي دعت إليها جماعة الإخوان بعنوان: «لا للعنف»: «عايزين يعملوا مجلس رئاسي من رئيس المحكمة الدستورية، وعضو مجلس عسكري، يعني عسكري تاني، محدش بقى يتكسف، بيضحكوا على الناس، جربناكم بطياراتكم في 5 يونيو، ضيعتوا القدس وسيناء والجولان، وبيزعلوا علشان بنهتف «إسلامية»، ونتحدث عن الإسلام، ولن نتكلم عن انتمائكم للشيوعية»، وأضاف: «بيقولوا عاوزين استفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة، فما يحدث هو أعظم استفتاء على أرض مصر، واللي عاوز يصوره بالطائرات يصوره».
ودعا البلتاجي إلى عدم القفز على نتائج الديمقراطية، واختتم كلامه بقوله: «سنحمى الشرعية بأروحنا ودمائنا وسنحمى معارضينا، ولن نسمح بقطرة دم واحدة، واحنا موجودين بالملايين، واللي هينزل بعد كده هنحميه، ومسئوليتنا نحميه، لكن القفز على الشرعية مرفوض».
لقد أثارت هذه الكلمات غضب كبير فى المؤسسة العسكرية وكافة الأوساط، مما دعا مصدر عسكرى إلى الرد على ذلك بالقول: «إن هذه التصريحات تمثل تطاولًا على المؤسسة العسكرية، وإنها أدت إلى غضب ضباط وجنود الجيش»، وقال «إن مثل هؤلاء الذين يدعون على الجيش لا يعرفون قدر وقيمة القوات المسلحة التى تحافظ على كرامة المواطن المصرى فى كل وقت، والبلتاجى وإخوانه لا يعرفون معنى وطنية الجيش، ودوره فى حماية الوطن وصون مقدساته».
وأمام حالة الاستياء والاحتقان التي عمت الجيش بعد تصريحات البلتاجي، اضطر حزب الحرية والعدالة إلى التراجع وزعم أن تصريحات الدكتور محمد البلتاجي التي أطلقها في مليونية «لا للعنف» من على منصة ميدان رابعة العدوية لم تتطرق بأي صورة سلبية للجيش المصري الذى نكن له جميعًا كل الاحترام والتقدير.
وقال الحزب في بيان له صدر يوم السبت 22 يونيو «يبدو أن نجاح مليونية «لا للعنف» التي دعا إليها أكثر من 30 حزبًا وائتلافًا سياسيًا وتجاوب الشعب المصري معها، ازعج رؤوس الفتنة في مصر، ومدبري الثورة المضادة، ودفعهم إلى افتعال أزمة وهمية للتغطية على هذا النجاح وذلك بتأويل تصريحات الدكتور البلتاجي في محاولة منهم لإعادة الزج بالجيش المصري العظيم إلى المعترك السياسي والتغطية على فشلهم».
ونقل البيان على لسان البلتاجي القول بأنه: «في هذا الصدد أؤكد أنني لم اتطرق في كلمتي خلال المليونية بأي صورة سلبية تمس الجيش المصري الذي نكن له جميعًا كل الاحترام والتقدير على النحو الذى ورد في بيان المليونية الختامي، وإنما كنت أتكلم عن التيارات السياسية والثقافية التي قادت مصر خلال الستين عامًا الماضية، وأودت بها لسلسلة من الهزائم والنكسات والتراجعات على كل صعيد».
هكذا راح البلتاجي وحزبه وجماعته يتنصلون من التصريحات التي سمعها القاصي والداني ولكنهم اضطروا للتراجع بعد أن هدد الجيش بالقبض على البلتاجي ومحاكمته محاكمة عسكرية.
في هذا الوقت تصاعدت حركة الجماهير في المحافظات المختلفة ضد المحافظين الجدد «الإخوان» الذين جرى تعيينهم في العديد من المحافظات، حيث جرى منع العديد منهم من دخول مباني المحافظات لممارسة عملهم فيها، وتجسد ذلك بقوة في المنوفية وأيضا في الأقصر، التي جرى تعيين محافظ ينتمي إلى الجماعة الإسلامية المتطرفة فيها، مما استدعى من الأهالي الاعتصام أمام مبنى المحافظة ومنعه من ممارسة مهام منصبه.
كان محمد مرسي قد أصدر قرارًا بتعيين 17 محافظًا جديدًا يوم 17 يونيو 2013، من بينهم سبعة ينتمون إلى جماعة الإخوان بشكل مباشر وعدد آخر من المتعاطفين معهم. وقد شهدت محافظات بنى سويف والقليوبية والمنوفية والبحيرة والدقهلية والفيوم والغربية والأقصر حالة من الغضب الشديد احتجاجًا على تولى الإخوان وحلفائهم مناصب المحافظين فى تلك المحافظات، وهو أمر أثار المواطنين الذين احتشدوا أمام مقار هذه المحافظات ليهتفوا «أرحل يا مرسى.. يسقط يسقط حكم المرشد، الإخوان مالهمش أمان، يوم 30 العصر هنهد عليه القصر».
كانت الأوضاع في البلاد تزداد احتقانًا، والأزمة تزداد تفاقمًا، احتشد الآلاف في ميدان رابعة، وبدأوا في تسريب الأسلحة إلى مكان الحشد، أدرك الجيش أن عملية الصدام قادمة لا محالة، عقد السيسي اجتماعًا عاجلًا بالقيادة العامة، وقرروا بدء خطة التحرك لمواجهة الأحداث، خوفًا من اندلاع حرب أهلية يصعب السيطرة عليها.
وفى صباح السبت 22 يونيو 2013، اجتمع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي بأعضاء القيادة العامة، وقد حضر الاجتماع الفريق صدقي صبحي رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية واللواء محمود حجازي مدير المخابرات الحربية في هذا الوقت، بالإضافة إلى اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع.
كان الجميع يدرك أن البلاد تمر بمرحلة خطيرة، وكان الكل على ثقة أن الإخوان سيدفعون بالبلاد إلى النفق المظلم الذى سيؤدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وازدياد حدة الانقسام والحروب في الشارع المصري.
وبعد مناقشات مطولة، قال القائد العام الفريق أول عبد الفتاح السيسي: «لن نصمت أمام المشهد الخطير، ولابد أن نتحرك فورًا، ونذهب إلى مرسى في قصر القبة»، وجرى إخطار المراسم.
وبعد وصولهم إلى القصر استقبلهم مرسي على مضض، وعندما التقاهم سألهم على الفور: خير.. إيه اللي حصل؟!

- قال القائد العام: الأمر خطير، ومستقبل البلاد كلها معرض لتطورات لا أحد يعرف إلى أين ستمضي بنا، وجئنا لنعرض عليك الأمر بكل أمانة وإخلاص، لتقرر ما فيه الصالح العام.
قال مرسي: الصورة العامة أعرفها جيدًا، وأنتم تعرفونها، هناك من لا يريد الخير لهذا البلد، هناك من يصطنع الأزمة.
قال القائد العام: الأمر أخطر من ذلك، المسألة ليست اتهامات، واتهامات متبادلة، إنه أمن بلد معرض للضياع، ولابد من إنقاذ الموقف قبل 30 يونيو القادم، لأنى أتخوف من الصدام ومخاطره.
قال مرسي: وما هي مقترحاتكم في هذا الخصوص؟
قال القائد العام: إن الجيش رصد تحركات جماهيرية قوية، ولدينا معلومات تؤكد أن المظاهرات التي ستحدث يوم 30 يونيو ستكون عارمة، وقد تضم ملايين المواطنين الغاضبين، ولكن بإمكانك من اليوم أن تضع حدًا لذلك بالموافقة على المطالب الشعبية والمحددة بإجراء استفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، وإجراء تعديل في الحكومة، وإبعاد النائب العام الذي تم تعيينه بعد الإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر من العام الماضي.
- قال مرسي: ولكنهم ينسون بذلك أنهم يفرضون شروطهم على رئيس الجمهورية المنتخب، وهذا أمر لابد أن تكون لكم فيه كلمة واضحة.
قال القائد العام: لقد سبق للقوات المسلحة أن حذرت كثيرًا من خطورة بعض المواقف التي تم اتخاذها، ولكننا فوجئنا بتجاهل تام، مما تسبب في تأزيم الموقف، وتصاعد الاحتجاجات، وقد ساعد على ذلك تصرفات جماعة الإخوان وبعض المجموعات والأحزاب الإسلامية الأخرى الحليفة للجماعة، إضافة إلى محاولة دفع الجميع إلى الصدام من خلال بعض المواقف التي أثارت الشارع المصري وأحدثت حالة من الانقسام بين الجميع، ربما لم تشهدها البلاد من قبل.
مرسي يطلب من الجيش المصري التدخل في سوريا لمساندة إخوانه!!
وهنا تدخل الفريق صدقي، وقال: إن هناك حالة من الغليان داخل الجيش بسبب هذا الانقسام، وأيضًا بسبب محاولة الزج بالقوات المسلحة في الحرب السورية، خاصة بعد خطابكم يوم 15 يونيو.
وحذر الفريق صدقي من خطورة ما يجري في سيناء، وقال: رغم أن القوات المسلحة حذرت مرارًا من تغلغل الجماعات المتطرفة في الكثير من المناطق داخل سيناء، واستمرار سياسة الأنفاق، إلا أن هناك قناعة لدينا بأن هناك من يدعم هذه الجماعات، وكأن هناك محاولة لخلق جيش بديل في سيناء، كما أن الأخطر في ذلك هو السماح لهذه العناصر بالسفر إلى سوريا للمشاركة في الحرب الدائرة هناك ثم العودة إلى سيناء مرة أخرى، وهو أمر بالغ الخطورة، لأن ذلك يعنى أننا أصبحنا أمام جيش مدرب هدفه إثارة القلاقل في مصر وسيناء.
وقال الفريق عبد المنعم التراس «قائد قوات الدفاع الجوي في ذلك الوقت»: «إن البلاد تشهد انقسامًا لم يحدث في التاريخ، وأن مؤسسات الدولة معرضة للانهيار بسبب إصرار الرئاسة على الاستمرار في سياستها ورفض الاستماع إلى آراء القوى السياسية الأخرى أو الاستماع حتى إلى تحذيرات القيادة العامة للقوات المسلحة والتي شعرت بالخطر والانقسام منذ الأيام الأولى، ونحن جئنا اليوم لندق ناقوس الخطر قبل مظاهرات 30 يونيو».
قال محمد مرسي: أنتم تشعرونني بهذا الكلام وكأن الرئاسة هي المسئولة عن سوء الأوضاع وعن الدعوة للمظاهرات والفوضى، وتناسيتم المحرضين الحقيقيين والإعلام الفاسد والدور الذى قام به وما زال، أرجو أن تكون وجهة النظر شاملة وألا ينظر إلى سطر ونترك السطر الآخر.
وهنا تدخل الفريق أول عبد الفتاح السيسي وطلب من اللواء محمود حجازي مدير المخابرات الحربية أن يقرأ تقرير «الموقف الاستراتيجي للأزمة وسبل الحل».
وبالفعل، وعلى مدى أكثر من ساعة ونصف تحدث اللواء محمود حجازي، محللًا الأزمة وأسبابها وعناصرها الأساسية، وسبل حلها، والاقتراحات المطروحة في ذلك بهدف الخروج من المأزق الراهن.
وكان أبرز ما تضمنه هذا التقرير هو:
أولًا
: المطالبة فورًا بتغيير الحكومة الحالية التي كان يترأسها دكتور هشام قنديل بسبب فشلها وعجزها وتشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية وطنية مستقلة، وذلك لإدارة الأوضاع في المرحلة الحالية، ولحين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، على أن يُعهد لرئيس الوزراء الجديد تشكيل الحكومة بدون تدخل من الرئيس إلا فيما يتعلق بالوزارات السياسية، وبحيث تلقى الحكومة قبولًا شعبيًا.
ثانيًا
: أن يقوم الرئيس بإصدار قرار فورى بعزل النائب المستشار طلعت عبد الله وأن يعهد لمجلس القضاء الأعلى ترشيح ثلاث شخصيات قضائية مقبولة يختار الرئيس من بينها نائبًا عامًا جديدًا.
ثالثًا
: تشكيل لجنة محايدة من كبار أساتذة القانون الدستوري والشخصيات العامة لإجراء تعديلات دستورية تتوافق عليها القوى الوطنية في البلاد، على أن يصدر الرئيس قرارًا بتجميد العمل بالمواد المرفوضة، ويعرض الأمر على الاستفتاء العام في فترة زمنية معقولة.
رابعًا
: أن يوافق الرئيس على إجراء استفتاء جماهيري على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تتولى لجنة قضائية عليا الإشراف على هذا الاستفتاء.
واستعرض التقرير تطورات الحالة الأمنية فى مصر وتردى الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، ومحاولة إحداث القلاقل داخل مؤسسات الدولة المختلفة وتدخل مكتب الإرشاد فى شئون الحكم، واتخاذ قرارات دون التشاور مع المؤسسات المعنية، والقيام ببعض التصرفات وإصدار القرارات التى من شأنها إحداث المزيد من التوتر فى البلاد.
كان «الرئيس» محمد مرسى ممتضًا ورافضًا لما تضمنه التقرير، واعتبر أن ما قيل لا يخصه من قريب أو بعيد، وكان رده على ما قيل تجسد فى عبارة أطلقها دون اكتراث: هذا كلام يستحق الدراسة وسأنظر فيه دون الجور على اختصاصات رئيس الجمهورية فى إدارة البلاد.
- قال القائد العام: ولكن لا وقت للدراسة، لقد جئنا إليك لنحذر من خطورة الأوضاع، ونحن فى حاجة إلى قرارات عاجلة وحاسمة لإنهاء الأوضاع، وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح.
قال مرسي: أنا أتابع الموقف جيدًا، والصورة أمامي واضحة، وأعرف أن من يحرضون هم مجموعة من القلة المرفوضة من الشعب، وعليكم أن تدركوا أن الشعب مع الشرعية ولم يستجيب لهذه الدعوات التى نعرف من يقفون خلفها.
قال القائد العام: ولكن الأمر جد وخطير، والجيش لن يقف صامتًا أمام ما يجرى، الدولة كلها مهددة.
قال مرسي: أعرف أن الجيش سيحمى الشرعية ومع ذلك أقول لكم المسألة ليست بالخطورة التى يتحدث عنها البعض، اسمعوا كلامى وستتأكدون من صحته، أنا فقط أطلب منكم أن تقوموا بالدور المنتظر من جيش مصر فى مساندة سوريا الجريحة، أطلب الاستعداد لاستقبال أفواج من المجاهدين السوريين وجيشها الحر لتدريبهم على أرض مصر، الموقف فى سوريا خطير ويؤثر على أمن مصر، وأنا تعهدت كما رأيتم بالوقوف مع السوريين الشرفاء حتى إسقاط نظام بشار الأسد، وإقامة معسكرات تدريب للجيش السوري الحر، يشرف عليها الجيش المصري.
قال القائد العام: لقد جئنا نحذر من خطورة الوضع ونطلعك على كافة التطورات، ولكن يؤسفني بدلًا من أن تجد حلًا للأزمة الراهنة وتعلن استجابتك لمطالب الشعب المصري، إذ بسيادتك تحدثنا وتطلب منا تدريب الجيش السوري الحر والفرق الأخرى التي تقاتل الدولة السورية، وأود أن أقول لك يا سيادة الرئيس إن الجيش المصري لن يتورط أبدًا في معارك خارج بلاده ولن يتآمر على أحد ولن يكون أداة في يد أحد، إن سوريا هي أمن قومي لمصر، وما يحدث هناك نحن نعرفه جيدًا ونعرف أهدافه، وهذا ليس موضوعنا الآن، هل سيادتك سوف تستجيب لهذه المطالب الشعبية لإنهاء الأزمة الراهنة أم أن الوضع سيبقى على حاله؟!
قال مرسي: أنا رئيس جئت من خلال صندوق الانتخابات ولن أقبل أبدًا بإجراء استفتاء على شرعيتي، أما بقية المطالب الأخرى، فدعونا ننظر فيها بعد إجراء الانتخابات البرلمانية خلال عدة أشهر، ثم أنهى الاجتماع.
غادر القائد العام وأعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة مبنى قصر القبة، وعقدوا اجتماعًا بمقر وزارة الدفاع في شارع الخليفة المأمون، وراحوا يدرسون الموقف من كافة أبعاده في هذا الوقت، لقد ظل الاجتماع منعقدًا لعدة ساعات تم خلاله استعراض الموقف من كافة اتجاهاته، وقال السيسي في هذا الاجتماع: «إنه لا أمل ولا رجاء من محمد مرسي وجماعته، وأن القوات المسلحة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام المخاطر التي تحدث بالبلاد من كل اتجاه». كان الكل على قناعة أن القوات المسلحة يجب أن تتدخل للتحذير من خطورة الأوضاع واحتمالية الصدام، خاصة أن الحشود التى بدأت فى ميدان رابعة العدوية منذ العشرين من يونيو تنذر بكوارث حتمية على البلاد، وأن المواجهة سوف تحدث لا محالة، وفي هذا الاجتماع تم الاتفاق سرًا على خطة المواجهة بغرض حماية البلاد من خطر الحرب الأهلية التي قد تنزلق إليه.
اقرأ أيضاً«مصطفى بكري»: ثورة 30 يونيو عظيمة وستبقى خالدة في الذاكرة مدى الدهر
0 تعليق