شهدت أسعار السجائر في مصر خلال السنوات الأخيرة تغيرات جذرية، تمثلت في سلسلة متلاحقة من الزيادات الضريبية والتعديلات التشريعية، كان آخرها ما أقرّه مجلس النواب اليوم 29 يونيو 2025 من تعديلات على قانون الضريبة على القيمة المضافة. 

هذه التعديلات رفعت الحد الأقصى لأسعار السجائر المحلية من 38.88 جنيهًا إلى 48 جنيهًا للعلبة، ورفعت سقف أسعار السجائر المستوردة إلى 69 جنيهًا، مع تطبيق زيادات سنوية تلقائية بنسبة 12% لمدة ثلاث سنوات تبدأ في نوفمبر 2025 37. 

أسباب ارتفاع أسعار السجائر

تأتي الزيادة المُقرّة حديثًا في إطار سعي الحكومة لتعزيز الإيرادات العامة، حيث تُعدّ السجائر أحد أهم مصادر التمويل الضريبي. وفقًا لتقارير اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، فإن هذه الزيادة تستهدف "دعم موارد الموازنة العامة للدولة" في إطار ما يُعرف بـ"الإطار الموازني متوسط المدى".

 كما سمحت التعديلات للحكومة بزيادة "الضريبة القطعية" على السجائر لأول مرة منذ 2023 بمقدار 50 قرشًا، استجابةً لمتطلبات منظمة الصحة العالمية وبضغط من الشركات المنتجة التي تدفع تكاليف متزايدة للإنتاج.

2024.. عام الزيادات المتصاعدة 

شهد عام 2024 أربع موجات متتالية من الزيادات في فبراير، أبريل، يوليو، ونوفمبر. كانت الزيادة الأخيرة في نوفمبر الأكثر تأثيرًا، حيث رفعت أسعار السجائر المحلية مثل "كليوباترا" من 34.72 جنيهًا إلى 38.75 جنيهًا للعلبة، بينما قفزت أسعار المستورد مثل "مارلبورو" إلى 84 جنيهًا، و"ميريت" إلى 95 جنيهًا 10. 

وقد بررت الشركة الشرقية للدخان – المنتج المحلي الرئيسي – هذه الزيادات بارتفاع تكاليف المواد الخام بنسبة 60% بعد تعويم الجنيه، حيث ارتفع سعر الدولار من 31 إلى 50 جنيهًا، فضلًا عن زيادة تكاليف الشحن بسبب الأزمات اللوجستية العالمية.

رحلة أسعار السجار من 2007 إلى 2025

شهد العقد الماضي قفزات هائلة في أسعار السجائر، ففي 2007، كانت علبة "كليوباترا" تباع بـ2.5 جنيه فقط، وبحلول 2017، ارتفع السعر إلى 17 جنيهًا بعد تطبيق قانون الضريبة الجديد الذي فرض رسومًا تصل إلى 650 قرشًا على العلبة الواحدة، وفي 2024، تجاوز سعر نفس العلبة 38 جنيهًا، ما يعني أن أن سعر العلبة زاد بنحو 1460% خلال 18 عامًا، فيما  تظهر البيانات أن بعض الماركات المستوردة مثل "مارلبورو كرافتد" قفز سعرها 68% في عام واحد فقط (من 44 جنيهًا في 2023 إلى 74 جنيهًا في 2024) 4.

سياسات ضريبية وعوامل سوقية وراء ارتفاع الأسعار 

منذ 2016، فرضت الحكومة شرائح ضريبية متدرجة على السجائر، ثم أقرت في 2023 آلية لزيادة الحدود الدنيا والقصوى لهذه الشرائح بنسبة 12% سنويًا لمدة 5 سنوات 10. كما خصصت 75 قرشًا من سعر كل علبة لتمويل "التأمين الصحي الشامل"، مع زيادة هذا المبلغ إلى 150 قرشًا خلال السنوات المقبلة.

ويشكل المكون الدولاري 70% من تكلفة إنتاج السجائر المحلية، مما جعلها حساسة لأي تغيير في سعر الصرف. فبعد تحرير سعر الجنيه في 2023، ارتفعت تكاليف استيراد التبغ والورق ومواد التغليف، وهو ما انعكس فورًا على الأسعار.

الحد من التدخين مقابل اتساع السوق السوداء

رغم أن الحكومة تعلن أن هدف الزيادات هو "الحد من انتشار التدخين" وفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، إلا أن الواقع يفرض تحديًا آخر: اتساع رقعة السوق السوداء. 

وصل الفارق بين سعر العلبة في السوق الرسمي وغير الرسمي إلى 6 جنيهات قبل زيادة نوفمبر 2024، مما دفع المسؤولين إلى الاعتراف بأن جزءًا من هذه الزيادة يهدف إلى تقليص هذا الفارق، وومع ذلك، يظل 18 مليون مدخن مصري – وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – في مواجهة خيارين صعبين: تحمل تكلفة متصاعدة أو اللجوء إلى بدائل غير آمنة.

مستقبل أسعار الدخان بعد الزيادة الأخيرة

المؤشرات تنبئ باستمرار المسار التصاعدي لأسعار السجائر، فآلية الـ12% السنوية ستظل سارية حتى 2028 ، مع احتمال زيادات طارئة مرتبطة بتقلبات سعر الصرف أو ارتفاع أسعار البترول، وهذا المسار يضع العبء الأكبر على المستهلك العادي الذي أصبح يدفع شهريًا ما بين 1140 جنيهًا (للسجائر المحلية) إلى 2850 جنيهًا (للمستوردة).