عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في - كورة نيوز نقدم لكم اليوم "أيام الرحمة والمغفرة".. موضوع خطبة الجمعة يدعو للتسامح - كورة نيوز
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم بعنوان: "أيام الرحمة والمغفرة"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بفضائل ومنزلة يوم عيد الأضحى وأيام التشريق، علما بأن الخطبة الثانية تتناول تعزيز قيم التسامح والرفق بالإنسان والحيوان.
الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وهادي السماوات والأرض، سبحانه، منه العطاء والإمداد، وبيده الإشقاء والإسعاد، لا تطيب الألسنة إلا بذكره، ولا تعمر القلوب إلا بمعرفته ومحبته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه وخليله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فلا تزال نسمات يوم عيد الأضحى المبارك تدخل السرور على قلوبنا، وأيام عظيمة تنتظرنا ألا وهي أيام التشريق المباركة، أيام خير وبركة، ورحمة ومغفرة، وفي فضلها يقول صاحب الجناب الأنور صلوات ربي وسلامه عليه: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر»، ويوم القر هو اليوم الذي يلي يوم النحر وهو أول أيام التشريق الثلاثة، وسمي بذلك؛ لأن الحجيج يستقرون فيه بمنى.
أيها المسلمون، إنها أيام الله فاغتنموها؛ أيام عظيمة في معناها، عميقة في مغزاها، أيام ذكر لله تعالى وشكر له سبحانه على نعمه وآلائه، وقد قال الله جل جلاله عنها: {واذكروا الله في أيام معدودات}، ووصفها النبي الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه، بأنها «أيام أكل وشرب وذكر لله»، وهذا الوصف الأنور يحمل في طياته دلالات عظيمة؛ فإن الأكل والشرب في هذه الأيام مقرون بالذكر، نعمة مقرونة بشكر، حيث يجتمع فيها للمؤمنين متعة الأبدان بالأكل والشرب، ونعيم القلوب بالذكر والشكر، وصدق ربنا سبحانه: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}.
عباد الله، اعلموا أن هذه الأيام المباركة فرصة عظيمة لتجديد عهدنا مع الله، وللعودة إليه سبحانه بقلوب خاشعة ونفوس تائبة، فإن الله يتجلى علينا برحمته الواسعة، ويفتح لنا أبواب مغفرته التي لا تحصى، إن رحمة الرحمن سبحانه تتسع الجميع، وباب التوبة مفتوح على مصراعيه، إن هذه الأيام دعوة للرحمة والمغفرة، والتراحم والتسامح وجبر الخواطر، ومد يد العون للفقراء والمحتاجين.
أيها الـمكرمون، إن أيام التشريق هي بحق أيام الرحمة والمغفرة، فبعد أن ذبحنا الأضاحي تقربا إلى الله جل وعلا، وبعد أن وقف حجاج بيت الله الحرام بعرفة، وطافوا بالبيت، ورموا الجمرات، وأجزل الله لهم المنح، وفتح لهم أبواب رحمته ومغفرته؛ فإن عطاءه سبحانه لا ينفد، ومدده متتابع في أيام التشريق، فهي فرصة ذهبية لغسل الذنوب، وتطهير النفوس، وإصلاح القلوب.
أيها الكرام، انظروا إلى اجتماع الحجاج في منى، كيف يتآلفون ويتراحمون، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، جمعتهم كلمة التوحيد، وأظلهم هدف واحد هو رضى الله تعالى، فلنقتد بهم في حياتنا، ولنجعل من مجتمعاتنا لوحة جميلة من التآخي والتحابب، تزهر فيها المودة، وتثمر فيها الأخلاق الفاضلة، والقيم السامية.
أيها النبلاء، اقدروا لتلك الأيام قدرها، فهي فرصة ذهبية لصلة الأرحام، وزيارة الأقارب، والسؤال عن الجيران، وتفقد أحوال الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، فالسعادة الحقيقية في البذل والعطاء، وإدخال السرور على القلوب، وتذكروا قول الله جل جلاله في الحديث القدسي: «حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في»، وقول الجناب المقدس صلوات ربي وسلامه عليه: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا».
*****
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فما أجمل أن نحول هذه الأيام إلى ملحمة للتسامح والرفق، بين أفراد العائلة الواحدة، فهي أيام الوحدة والتراحم، وجلسات المصارحة بين الآباء والأبناء، في إطار من الحب، فالتسامح والرفق كلمتان خفيفتان على اللسان، لكنهما تحملان في طياتهما معاني واسعة، وآثارا عميقة في الفرد والمجتمع، فالتسامح صفة نبيلة تسمو بها النفوس، ويتجاوز بها عن الزلات والهفوات، وتزرع من خلالها بذور المحبة والوئام في المجتمع، ويقضي بها على جذور البغضاء والشقاق، فهي البلسم الشافي للجروح، والمطفئ لنيران الفتن، وعنوان التسامح: العفو عند المقدرة، والصفح الجميل عند الإساءة، فالتسامح ليس ضعفا بل هو قوة كامنة، يستطيع الإنسان من خلالها أن ينال حقه بشرط تقديم حكمته، فالكمال لله وحده، وكل ابن آدم خطاء، فلا بد مع هذا القصور البشري من قبول المخالف مهما كانت درجة الاختلاف من حيث الشكل أو الدين أو الفكر، فهذا القبول هو الذي يفتح الباب أمام علاقات طيبة، فكم من نزاعات انتهت بالتسامح، وكم من خصومات تحولت إلى صداقات بفضل العفو والصفح، وتأملوا معي قول الحق تبارك وتعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.
أيها الناس، اعلموا أن الرفق أخو التسامح، والرفق ليس مجرد كلمة عابرة، أو صفة هامشية، بل هو جوهر الدين، وروح الإنسانية، أليس هو تلك اليد الدافئة التي تمتد لانتشال العاثر؟! أليس هو تلك الكلمة الطيبة التي تبلسم الجراح؟ فهل استشعرنا يوما حلاوة الرفق في معاملاتنا اليومية؟! ألم يوصنا الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه بالرفق في كل شأن من شؤون حياتنا؟! فقال: «إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله».
أيها المكرمون، تأسوا بخير الخلق وحبيب الحق صلوات ربي وسلامه عليه، فإنه كان أرفق الخلق بالخلق، لينا في دعوته، رحيما بالضعفاء والمساكين، رفيقا حتى مع الحيوانات، وتذكروا معي قصة المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها، فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، وخبر الرجل الذي سقى كلبا يلهث من العطش، فغفر الله له بذلك، وتذوقوا روعة البيان المحمدي: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه».
اللهم اجعلنا من أهل الرفق والعفو والمغفرة
واهدنا وبلادنا مصر سبل السلام والأمان والإكرام.
0 تعليق