عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في - كورة نيوز نقدم لكم اليوم مشعر منى المقدس.. هنا مبيت حجاجنا خلال أيام التشريق - كورة نيوز
بين سفوح الجبال ومضارب الخيام البيضاء، يمتد مشعر منى كصفحة من نور فى دفتر الشعائر الإسلامية، يسطر فيه الحجيج سطورًا من الطاعة والخضوع، على بعد سبعة كيلومترات شرق المسجد الحرام بمكة المكرمة.
فى قلب هذا المكان الذى لا يعرف السكون إلا بعد رحيل الحجيج، يتحول المشهد إلى لوحة حية نابضة بالإيمان، وتتحرك فيه الملايين بخطى واحدة وقلب واحد، نحو شعيرة من أعظم شعائر الإسلام.
منى ليست مجرد موقع جغرافى أو مبيت للحجيج ليلة العيد وأيام التشريق، بل هى رمزية مفعمة بالدلالات هنا يبيت الحاج طاعةً لله، ويلتقط الحصى بعناية استعدادًا لرمى الجمرات، يستعيد بها ذكرى إبراهيم وامتثاله، ويحيى بها روح الفداء والتضحية فى كل عام.
وفى مشهد استثنائى لا يتكرر سوى مرة فى السنة، تجتمع أمة الإسلام من مشارق الأرض ومغاربها على هذا الصعيد، فى مشهدٍ يُعد الأكبر تنظيمًا وإدارةً على مستوى العالم.
فمنذ لحظة دخول الحاج إلى مشعر منى، يتنقل فى مسارات منظمة، بين خيام مبردة، وشبكة خدمات لوجستية وصحية وأمنية تبعث على الاطمئنان لا عشوائية هنا، رغم الزحام، بل خريطة بشرية تتحرك بانسياب.
ويتجاوز منى فى رمزيته مجرد أداء طقسى هو تمثيل حى للوقوف فى وجه الشيطان، رمزًا وصورة، عبر رمى الجمرات الثلاث. فى كل حصاة يرميها الحاج، يطرح من داخله ضعفًا، أو رغبةً زائغة، أو قيدًا من قيود الدنيا يكتمل المشهد حين يعلو صوت التكبير، وترتفع القلوب قبل الأصوات، وتختلط دموع الفرح بالتلبية.
ولا تغيب عن هذا المكان جهود جبارة تُبذل فى الخفاء، من آلاف العاملين الذين يسهرون على راحة الحجيج رجال أمن، وكوادر طبية، وعمال نظافة، ومهندسو حركة، كلٌّ يؤدى دوره فى منظومة جعلت من التحدى اللوجستى درسًا فى الانضباط والإنسانية.
فى منى، تشعر أن الزمن يبطئ من سرعته، أو ربما يسير وفق إيقاع الروح لا ضجيج للتقنية، ولا تسابق على المظاهر، بل سكينة تلف المكان، يتنفسها الحجيج مع كل خطوة، وكأنهم فى حضرة قداسة لا توصف.
ومع انتهاء أيام التشريق، يودع الحجيج منى بقلوب ملأى بالذكريات والمشاعر، يحملون منها ما هو أكثر من الحصى والتكبيرات يحملون تجربة لا يمكن أن تنقلها العدسات ولا الكلمات منى تختزل فى اسمها "المُنى"، وتبقى شاهدًا سنويًا على رحلة لا تشبهها رحلة.
0 تعليق