تمثل ثورة 30 يونيو 2013 حدثًا فريدًا في تاريخ مصر القديم والحديث، فهي الثورة التي يمكن وصفها بحق بأنها "ثورة الوعي والانتماء". إذ لم يكن الدافع الأساسي لنزول الملايين إلى الشوارع مجرد أسباب اقتصادية أو اجتماعية – رغم حضورها في المشهد – بل كان الخوف على هوية الوطن ومستقبله من السقوط في دوامة الضياع، أو أن تُختطف هويته لصالح جماعة أو تيار ضيق الأفق.  

لا يمكن لأحد أن يزايد على المصريين في تدينهم وتعظيمهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية، لكن مساحة الوعي الراسخة في وجدانهم مكنتهم من التمييز بين الدين الصحيح وقيمه السامية التي تدفع بالوطن إلى الأمام، وبين أولئك الذين يتاجرون بالدين لابتلاع الوطن والاستئثار به، ثم ممارسة الإقصاء ضد كل من يخالفهم.

ومن أجل هذا، تدفق المصريون بالملايين إلى الشوارع في موجة بشرية هادرة، كأنما يجسدون كلمات المفكر الساخر الراحل جلال عامر حين قال: "لن نقف مع مليشيا ضد الوطن، حتى لو كان الوطن مجرد رصيف ننام عليه ليلًا". وهذه هي الروح التي نعنيها بالوعي والانتماء.  

لقد ترسخت هذه المساحة من الوعي في الشخصية المصرية عبر قرون طويلة، وهي تبرز فجأة حين يستشعر المصري أن شيئا ما يهدد هوية وطنه. وهذا الوعي هو ما يقود إلى الانتماء الضارب بجذوره في أعماق النفس المصرية؛ فمهما بلغ غضب المواطن المصري أو سخطه، فإنه لا يمكنه أبدا أن يدير ظهره لبلاده.  

لقد كانت ثورة 30 يونيو ثورة الحفاظ على الوطن، تسلح فيها المواطن أولًا بالوعي، ثم تحرك بدافع الانتماء. وفي الذكرى الثانية عشرة لهذه الثورة المجيدة، نجد أنفسنا أمام درس تاريخي يؤكد أن مصر أقوى من كل محاولات التشويه أو الاختطاف.  

كل عام وشعب مصر العظيم بخير.. والوطن في قلب كل مصري.