
في تطور دبلوماسي هو الأول من نوعه منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى مدينة جنيف، عصر اليوم الجمعة، لإجراء محادثات حساسة مع نظرائه الأوروبيين بشأن برامج بلاده النووية والصاروخية، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
اللقاء الذي يأتي في ظل تصعيد عسكري متسارع، يهدف إلى إعادة فتح باب الدبلوماسية، وسط تخوفات متزايدة من دخول المنطقة في نفق مواجهة شاملة، خاصة بعد تصاعد الضربات الإسرائيلية بدعم أميركي.
طهران تؤكد: قدراتنا الصاروخية غير قابلة للتفاوض
عشية المباحثات، شدد عراقجي على أن البرنامج الصاروخي الإيراني وقدرات طهران العسكرية “غير قابلة للتفاوض”، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إيرانية، ما يعكس موقفًا صارمًا إزاء أي ضغوط غربية لتقييد برنامج إيران الدفاعي.
مشاركة أوروبية وأميركية في محادثات جنيف
تشمل المحادثات وزراء خارجية كل من بريطانيا، فرنسا، وألمانيا (الترويكا الأوروبية)، إضافة إلى كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. كما يجري التنسيق بشكل وثيق مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، رغم أن واشنطن لم تشارك رسميًا في الجولة الأولى من اللقاءات.
وقالت مصادر دبلوماسية إن الأوروبيين أجروا اتصالًا نادرًا مع عراقجي، وأكدوا فيه ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات، محذرين من “السيناريو الأسوأ” في حال استمرت التصعيدات. ووافق الجانبان على اللقاء وجهًا لوجه بناءً على مقترح إيراني.
يُذكر أن جنيف كانت قد استضافت عام 2013 مفاوضات أدت إلى اتفاق نووي مبدئي بين إيران والقوى العالمية، تبعها الاتفاق الشامل في 2015.
خلفية التصعيد: غارات إسرائيلية وعملية “الأسد الصاعد”
تأتي هذه التطورات بعد انهيار مفاوضات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، إثر عملية إسرائيلية في 13 يونيو استهدفت منشآت نووية ومراكز لصناعة الصواريخ الباليستية داخل إيران، تحت مسمى “الأسد الصاعد”.
وقال دبلوماسي أوروبي: “نستطيع التحاور مع الإيرانيين بينما الأميركيون لا يستطيعون، وسنحثهم على مناقشة الملف النووي قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة، وسنتناول كذلك صواريخهم الباليستية، دعمهم لروسيا، واحتجازهم لمواطنينا”.
تشكيك أوروبي في الاستراتيجية الأميركية
أبدت الدول الأوروبية إحباطًا متزايدًا من النهج الأميركي تجاه الملف الإيراني، واعتبرت بعض المطالب “غير واقعية”، وسط مخاوف من أن يؤدي غياب إطار سياسي متماسك إلى مفاوضات عبثية لا نهاية لها.
وأكد دبلوماسيان أوروبيان أن فرص حدوث انفراجة في جنيف ضعيفة، لكنهما شددا على أهمية المحادثات مع إيران، لكون البرنامج النووي الإيراني لا يمكن إزالته بالقوة، إذ أن المعرفة المكتسبة لا يمكن محوها، ما يجعل طهران قادرة على إعادة بناء برنامجها سراً.
عراقجي: لا مفاوضات تحت القصف
من جانبه، جدد عباس عراقجي التأكيد على موقف إيران الثابت قائلاً: “لا مجال لأي مفاوضات مع الولايات المتحدة ما دام العدوان الإسرائيلي مستمرًا”، وفق تصريحه للتلفزيون الإيراني الرسمي.
وأضاف أن طهران لا تستهدف مناطق مدنية أو مستشفيات، خلافًا لإسرائيل التي “تعمّدت قصف مستشفيات في غزة”، على حد وصفه.
كما دعا مجلس الأمن الدولي، الذي يعقد جلسة الجمعة، إلى تفعيل قراره رقم 487، الصادر عام 1981 ردًا على قصف إسرائيل لمفاعل نووي عراقي، والذي يعتبر أن أي هجوم على منشأة نووية يُعد خرقًا لمعاهدة عدم الانتشار النووي (NPT).
تهديد بالعواقب إذا تم تفعيل آلية العقوبات
وأكد مسؤول إيراني أن بلاده ترحب بالحوار، لكنها طالبت الترويكا الأوروبية بالضغط على إسرائيل لوقف الهجمات. وأضاف: “إيران ملتزمة بالدبلوماسية كحل وحيد، لكن الدبلوماسية نفسها تتعرض الآن للهجوم”.
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بعد محادثات مع روبيو والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف في واشنطن: “ناقشنا إمكانية تجنب تفاقم الصراع من خلال اتفاق دبلوماسي. هناك نافذة متاحة خلال الأسبوعين المقبلين”، في إشارة إلى مهلة منحتها إدارة ترمب قبل اتخاذ قرار المشاركة في العمليات العسكرية ضد إيران.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدخل على الخط
قبل الضربات الإسرائيلية، قدمت كل من أوروبا والولايات المتحدة قرارًا لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين انتهاك إيران لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار.
وأشار مسؤولون أوروبيون إلى إمكانية إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن لاحقًا هذا الصيف، حال عدم إحراز تقدم، وهو مسار موازٍ لإعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيًا، وفق آلية “سناب باك” التي ستنتهي صلاحيتها في 18 أكتوبر مع انتهاء أجل الاتفاق النووي لعام 2015.
وأكد دبلوماسيون أن الترويكا الأوروبية تخطط لتحديد مهلة تنتهي نهاية أغسطس لإطلاق آلية إعادة العقوبات، محذرين من “عواقب وخيمة” في حال تم تفعيلها، حسب تعبير مسؤول إيراني.