
سجلت مصر خلال السنوات الأخيرة خطوات متسارعة نحو تعزيز موقعها الاستراتيجي كمحور لوجستي دولي، مستندة في ذلك إلى موقعها الجغرافي الفريد الذي يربط قارات العالم، وإلى تطوير بنيتها التحتية عبر تنفيذ 7 ممرات لوجستية متكاملة، تتكامل مع قناة السويس باعتبارها الشريان الملاحي الأهم عالميًا.
هذه الممرات لا تقتصر فقط على تسهيل الحركة بين مناطق الإنتاج والموانئ، بل تفتح الباب واسعا أمام القاهرة لتكون لاعبًا رئيسيًا في مشروع الربط التجاري العملاق بين الهند وأوروبا، والذي يطمح إلى إعادة رسم مسارات العولمة والتجارة الدولية في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة.
مصر لاعب رئيسي في مشروع الربط الهندي الأوروبي
كشفت دراسة صادرة عن “المركز المصري للدراسات الاقتصادية” عن أن مصر أنشأت بالفعل 7 ممرات لوجستية تربط بين مناطق الإنتاج الصناعي والزراعي والتعديني والموانئ البحرية في البحرين الأحمر والمتوسط.
هذه الممرات، إلى جانب قناة السويس، تعزز من قدرة مصر على التمركز كمحور حيوي في شبكة التجارة العالمية الجديدة، حيث تتضمن الممرات السبع خطوطًا لوجستية متكاملة تعمل على الربط بين المجتمعات العمرانية الجديدة والموانئ، عبر شبكة سكك حديدية متطورة تشمل القطار الكهربائي السريع، إلى جانب طرق رئيسية تمر بالموانئ الجافة والمناطق اللوجستية.
وتهدف هذه الشبكة إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي للنقل واللوجستيات وتجارة الترانزيت، وتشمل الممرات التالية:
- السخنة – الإسكندرية
- العريش – طابا
- القاهرة – الإسكندرية
- طنطا – المنصورة – دمياط
- جرجوب – السلوم
- القاهرة – أسوان – أبو سمبل
- سفاجا – قنا – أبو طرطور
دور مصر الجديد في التجارة العالمية
وكشفت الدراسة إلى أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد تعرف فقط بالنفط والصراعات، بل بدأت تشهد تحولات جذرية في بنيتها الاقتصادية والتنموية، مع صعود قوى جديدة مثل الإمارات والسعودية، وتنظيم فعاليات عالمية ضخمة مثل كأس العالم في قطر (2022) والمقرر إقامته في السعودية (2034).
هذا الصعود الخليجي، مصحوبًا بسرعة الاتصالات وتغير مراكز القوة الاقتصادية، يدفع بمصر إلى واجهة المشهد بصفتها نقطة ارتكاز محورية في ممر التجارة الجديد.
وفيما لا تزال بعض التوترات الجيوسياسية قائمة، كما في الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس، إلا أن هناك توجها عالميا لبناء خريطة تجارية أكثر استقرارا، يكون لمصر فيها حضور قوي بفضل بنيتها التحتية وموقعها الجغرافي.

تفاصيل الربط التجاري الجديد بين الهند وأوروبا
بحسب الدراسة، فإن الربط التجاري الجديد الذي يبدأ من نيودلهي ويعبر دبي والرياض وتل أبيب وعمان وصولًا إلى القاهرة، يمثل ممرًا متكاملًا يعكس واقعًا جديدًا للعولمة، حيث تظهر الهند والشرق الأوسط كلاعبين أساسيين في صياغة نظام اقتصادي عالمي جديد.
ويرى متخصصون أن أوروبا تمتلك خبرات لوجستية مهمة يجب الاستفادة منها، بينما تمتلك دول الشرق فرصًا هائلة للنمو، ما يجعل من هذا المشروع نقطة التقاء بين الخبرة الأوروبية والديناميكية الآسيوية.
ومع تنامي الاتصالية وسرعة الحركة، لا بد من إعادة التفكير في الشكل التقليدي للممر ليعكس واقعًا أكثر تعقيدا وتنوعا، ويستوعب الأدوار المتغيرة للقوى الإقليمية.
تكاليف خفية.. تعيق المشروع
تناولت الدراسة التحديات التي قد تواجه المشروع، وأبرزها التفاوت الكبير بين الدول الواقعة على طول الممر في الإجراءات الجمركية، والمعايير البيئية والصحية والفنية، ما يؤدي إلى “تكاليف خفية” في التجارة، قد تصل نسبتها إلى ما بين 16% و29% من إجمالي تكلفة التبادل التجاري، وفقا للتقديرات.
كما تؤكد الدراسة أن هذه التحديات التنظيمية لا تقل أهمية عن تكلفة البنية التحتية، خاصة في ظل سعي كل دولة للحفاظ على مزاياها الخاصة، ما يفرض ضرورة وجود تنسيق عالي المستوى وتفاهمات إقليمية واضحة لضمان نجاح المشروع.

هل تصبح مصر قلب الربط العالمي الجديد؟
ما بين رهان على الجغرافيا، واستثمار في البنية التحتية، وتكامل مع مشروع دولي ضخم، يبدو أن مصر تمضي بخطى واثقة نحو استعادة مكانتها كمفترق طرق العالم.
فهل تنجح في تجاوز التحديات التنظيمية والبيروقراطية، وتتحول بالفعل إلى القلب النابض للممر التجاري بين الهند وأوروبا؟ وهل يشكل مشروع الربط التجاري الجديد بداية نظام اقتصادي عالمي أكثر تنوعًا وتعددًا؟ تلك الأسئلة ستظل مطروحة، ولكن المؤكد أن مصر وضعت نفسها بقوة على خارطة المستقبل.