
تسارع مصر في الوقت الراهن خطواتها نحو الانتهاء من المراجعة الخامسة ضمن برنامج “تسهيل الصندوق الممدد” مع صندوق النقد الدولي، والذي تبلغ قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار. يأتي هذا في وقت حساس مع اقتراب نهاية السنة المالية 2024-2025، ما يفتح الباب أمام صرف شريحة تمويلية جديدة تُقدّر بنحو 1.2 مليار دولار.
البرنامج، الذي أُعلن عنه مبدئيًا في ديسمبر 2022، شهد بعض التأخير في تنفيذ مراحله، إذ لم تُنشر نتائج المراجعة الرابعة حتى الآن رغم اكتمالها تقنيًا في مارس الماضي. وتشير التقديرات إلى أن صندوق النقد سيصدر تقريرًا موحدًا يدمج المراجعتين الرابعة والخامسة قبل نهاية يونيو الجاري.
الحكومة تعمل على تذليل العقبات الفنية والبنيوية المتبقية، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية متشابكة، أبرزها استمرار الضغوط التضخمية العالمية وتراجع موارد النقد الأجنبي. وتحرص السلطات على الاستفادة من دعم الصندوق المستمر حتى نهاية البرنامج الحالي في سبتمبر 2026، مع طلب تمديد فني محتمل حتى أوائل 2027 بسبب تداعيات إقليمية أثّرت على إيرادات حيوية مثل قناة السويس.
من جانبها، أكدت الحكومة على أهدافها المالية الرامية إلى خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى 85% بنهاية العام المالي الحالي، ثم إلى 80% بحلول منتصف عام 2027. وتعزز هذه الجهود إصلاحات ضريبية، وترشيد في الإنفاق، وتوسيع لقاعدة الإيرادات.
أجندة الخصخصة في قلب البرنامج
رغم التقدم الملحوظ في برنامج الطروحات، لا تزال وتيرة التنفيذ محل تقييم. فقد بدأت الدولة بنقل إدارة بعض الأصول، كالفنادق التابعة للجهات السيادية، إلى شركات استثمارية إقليمية، ما يطرح تساؤلات حول معايير الشفافية ومدى توافقها مع اشتراطات الصندوق.
الصندوق يربط تقدمه في البرنامج بعدة معايير، أبرزها وضوح سياسة ملكية الدولة وتفعيل قاعدة بيانات شاملة للأصول العامة، وهو التزام لم يُنفّذ بعدوولتعزيز هذا المسار، أُبرمت اتفاقات مع شركات استشارية دولية لدعم خطوات الطرح وتوسيع المشاركة الخاصة.
تباينات في التقديرات وأهداف الدين
تشير بعض التقديرات إلى وجود فجوة بين أهداف الحكومة ومسارات الدين المتوقع وفقًا لتوقعات الصندوق، بينما تستهدف القاهرة خفض الدين إلى 80% بحلول 2027، يرى الصندوق أن هذا الرقم قد لا يتحقق إلا بتسريع الإصلاحات، وسط ضغوط تمويلية مستمرة وتكاليف خدمة مرتفعة.
الاستحقاقات القادمة: أربعة أولويات
في ظل المشهد الاقتصادي المتقلب، تبرز أربع أولويات لضمان استمرارية التعاون مع صندوق النقد الدولي:
1. تعزيز الاستدامة المالية:
من خلال الحفاظ على فائض أولي يتراوح بين 3.5% و4% من الناتج المحلي، وتقليص الدعم غير المستهدف، مع الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي الأساسي.
2. شفافية سوق الصرف:
بعد تحرير سعر الصرف في مارس 2024، تحتاج البلاد إلى آليات أكثر وضوحًا لسعر الصرف، وإلغاء القيود غير الرسمية، وتفعيل سوق الإنتربنك كمنصة لتوفير العملة الصعبة.

3. تسريع الخصخصة:
المطلوب هو تحويل التعهدات إلى تنفيذ فعلي يتضمن طرح شركات مملوكة للدولة بشفافية، مع تحسين الحوكمة ودمج أصول الجهات السيادية في أطر رقابية واضحة.
4. إدارة الدين والإفصاح:
عبر تمديد آجال الديون، وتقليل اللجوء إلى التمويل الخارجي قصير الأجل، ونشر البيانات المتعلقة بالديون السيادية، بما في ذلك التزامات المؤسسات العامة.
ويتفق خبراء على أن نجاح مصر في المرحلة المقبلة لا يرتبط فقط بالتمويل الخارجي، بل بقدرتها على تنفيذ إصلاحات هيكلية ملموسة، وتحقيق نتائج قابلة للقياس، وتعزيز ثقة المستثمرين الأشهر القادمة ستكون مفصلية، حيث إن إتمام المراجعات المتأخرة، وتقديم بيانات شفافة، والمضي في برنامج الخصخصة، كلها مفاتيح رئيسية لضمان الاستقرار الكلي وتمكين النمو بقيادة القطاع الخاص.